
د. علي البكالي
رئيس تيار نهضة اليمن
22/1/2023م
يحتفل الشعب الصيني اليوم بكل قومياته وتكويناته وفي جميع المقاطعات والمدن بعيد الربيع الصيني حيث يعد أعظم مناسبة تاريخية سنوية للأمة الصينية، ويوافق عيد الربيع هذا العام بحسب التقويم القمري الصيني اليوم 22 يناير 2013م، ويشارك فيه كل المسؤولين الشعب الصيني احتفالاته.
قصة عيد الربيع الصيني تحكي روح الحضارة الصينية وارتباطها بمواسم الزراعة وكيف استطاعت انجاز امبراطورية تاريخية من خلال الارتباط بالأرض ويمسى عيد الربيع لأنه مرتبط بقدوم الربيع، نظرا لأن الصين القديمة كانت مجتمعا زراعيا، وعبر آلاف السنين استخدم الصينيون التقويم القمري بهدف إرشاد المزارعين إلى المواقيت المناسبة لزراعة المحاصيل وحصادها، كما يسمى- أيضا- بعيد لم شمل الأمة الصينية حيث تشير الأسطورة الصينية إلى أهم معنى تاريخي يتضمنه مهرجان عيد الربيع السنوي وهو الارتباط المتين بالهوية الحضارية وتاريخ الأسلاف والبناء عليه واعتبار الاتصال الحضاري السنوي بأمجاد الأسلاف وتجاربهم وخبراتهم وموروثهم الثقافي والحضاري ضمانة حقيقية لاستمرار قوة الأمة الصينية وحضورها الفاعل المستقل بين الأمم، وأهم تلك التجارب هو كيف هزم الصينيون الجوع والأعداء الغزاة معاً عبر الزراعة والتنمية والروح الجماعية الموحدة للأمة الصينية والضامنة لاستقلالها، حيث يرمز الموروث الصيني للفقر والتمزق والغزو الخارجي بوحش كاسر يجب القضاء عليه بإحياء الروح القومية الصينية.
تحكي الأسطورة الصينية أنه كان في الزمن القديم وحش يسمى “نيان” يسكن في أعالي الجبال، أو في أعماق البحار، في الشتاء، يعاني من جوع شديد، بسبب البرد والصقيع حين يجوع “نيان” رأس السنة تقع المصيبة، لأن الوحش يغادر مسكنه للبحث عن فرائس في القرى فيروّع المزارعين وعائلاتهم، وحين يغزو قرية، لا يسلم فيها أحد، إذ يلتهم البشر والمواشي، ويهدّم البيوت، ويخرب المحاصيل، ولا يترك حجراً فوق حجر. وأن أحد رجال الصين القدماء أرشد المواطنين إلى اشعال النار ورفع الأصوات بالاحتفال ورفع الأقمشة الحمراء لأن الوحش الجبار يخاف من هذه الأمور الثلاثة. وفي هذا إشارة ثقافية لاستراتيجيات التنمية والتحصن والاستقرار والسيادة، من خلال الاتصال بتراث الأسلاف والاهتمام بالزراعة وتوحيد روح الأمة الصينية.
هذه الاستراتيجيات الثلاث للحفاظ على قوة الأمة الصينية هي التي أكدها الليلة 22 يناير 2023م خاطب رئيس جمهورية الصين الشعبية الرفيق شي جين بينغ الأمين الموجه للشعب الصيني في عيد الربيع، وهو يؤكد على التنمية ورفاهية الشعب ووحدة الأمة الصينية في مواجهة التحديات قائلا” إن الماضي المجيد خلق اليوم من خلال العمل الجاد، ولا يمكن خلق مستقبل أفضل إلا من خلال العمل الجاد”.
إن من محاسن الصدف هذا العام أن يقترن عيد رأس السنة الصيني المسمى بعيد الربيع بيوم الوعل اليمني، وأن يحتفل الشعبان اليمني والصيني بهذه المناسبة التاريخية التي تحكي حالة التشابه والتجانس بين الحضارة اليمنية والحضارة الصينية، وهما في الأساس حضارتان أصيلتان منذ بداية التاريخ، ولا يزال أثرهما وامتدادهما في حياة الأمتين اليمنية والصينية حتى اللحظة وسيظل إلى ما نهاية، فالتشابه والتجانس بين الحضارتين اليمنية والصينية كبير جداً من حيث المنطلقات الحضارية والقيم الرسالية والرموز التاريخية، فمن حيث المنطلقات الحضارية فكلاهما حضارات زراعية تعتمد على إحياء الأرض وبناء السدود وتنمية الأيدي العاملة، والعمل الجاد لتحقيق التنمية والوفرة ، وفي التاريخ القديم اشتهرت الصين بتجارة الحرير المصنوع من منتجات الزراعة، وبالمثل اشتهر اليمنيون القدماء بتجارة البنان والبخور وهي منتجات زراعية.
وكما اهتمت الحضارة اليمنية والحضارة الصينية بالتاريخ الزراعي وعالجت تقاويمها السنوية الشمسية والقمرية بالاعتماد على مواسم الزراعة، نجدها كذلك تجعل لكل موسم زراعي رمز حيواني أو كوني دال عليه كما في علم الأبراج ومواسم الزراعة عند اليمنيين القدامى، والرموز الحيوانية 12 في التقويم القمري الصيني، حيث يشير كل لمعنى من المعاني السياسية والاقتصادية، ويتغير الرموز الحيواني كل عام فلكل عام رمز خاص، وخلال 12 عام تعود الدورة القمرية وتتكرر الرموز، ويرمز لهذا العام الصيني 2023 (بعام الأرنب)، ويتسم الأرنب بالسرعة والحذر والنباهة، تماماً كمواصفات الوعل اليمني.
بهذه المناسبة المشتركة والرمزية المتجانسة بين الوعل اليمني والأرنب الصيني يتأكد مدى التجانس والتقارب والتوأمة بين الثقافة الصينية والثقافة اليمنية منذ بداية التاريخ، وهي معطيات هامة في سبيل إعادة بناء وتصميم خطة شراكة استراتيجية تنموية يمنية صينية مشتركة تعود بالنفع والمصلحة على الشعبين اليمني والصيني.
نبارك لرفاقنا في الحزب الشيوعي الصيني هذه المناسبة التاريخية العظيم، كما نبارك للأمتين اليمنية والصينية أعيادهما التاريخية الرمزية الدالة على التقارب الحضاري، ونتمنى أن نشهد شراكة تنموية بين اليمن والصيني في المستقبل القريب.






